العجل لا يمكنه أن يكلمهم، ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد، فهو إما جماد وإما حيوان عاجز، وفي الحالين فإنه لا يصلح للألوهية.
ثم تابوا وندموا على سوء فعلهم، واستغفروا ربهم، وطلبوا منه قبول التوبة والمغفرة على ذنبهم العظيم، وتأكدوا كونهم من الخاسرين إن لم يغفر الله لهم.
وهذا إقرار واضح بالعبودية، واعتراف بألوهية الإله الحق، وفي قراءة حمزة والكسائي: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء. وفي ذلك أيضا دلالة على اعترافهم بعظيم الجرم الذي أقدموا عليه، وأنه لا ملجأ من الله في إقالة عثرتهم إلا إليه.
واحتج أهل السنة بآية:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ..}. على أن من لا يكون متكلما ولا هاديا إلى السبيل، لم يكن إلها؛ لأن الإله هو الذي له الأمر والنهي، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلما، فمن لا يكون متكلما لم يصح منه الأمر والنهي. وبما أن العجل عاجز عن الأمر والنهي لم يكن إلها.
وبمناسبة اتخاذ السامري العجل إلها لبني إسرائيل يذكر علماء التوحيد مقارنة لطيفة تدل على أن السعادة والشقاوة في علم الله من الأزل، فموسى بن عمران عليه السلام ربّاه فرعون، فكان مؤمنا بإلهام من الله تعالى، وموسى السامري ربّاه جبريل وكان في النهاية كافرا، وقال بعضهم:
إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل... فقد خاب من ربّى وخاب المؤمّل
فموسى الذي ربّاه جبريل كافر... وموسى الذي رباه فرعون مرسل
وهذا لا يعني أن التربية والتوجيه لا أثر لهما، وإنما للبيئة كما هو معروف
في حديث «كلّ مولود يولد على الفطرة»(١) تأثير كبير، وللتربية دور مهم جدا،
(١) رواه أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن الأسود بن سريع.