للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرف تكذيب للدعوى، لأنه لا برهان لهم عليها. وفي هذا إيماء إلى أنه لا تقبل دعوى من دون برهان عليها.

ثم ردّ الله عليهم بقوله: {بَلى} كلمة تفيد الجواب لإثبات نفي سابق، وردّ لما زعموه، فإن الذي يدخل الجنة من لم يكن هودا أو نصارى، وهو كل من انقاد لله وأخلص في عمله، وهو محسن في عبادته وعمله واعتقاده، وهؤلاء لهم الأجر عند ربهم بلا خوف ولا حزن في الآخرة، خلافا لعبدة الأوثان والأصنام الذين هم في خوف مما يستقبلهم، وحزن مما ينزل بهم.

والآية تدل على أن الإيمان وحده لا يكفي، بل لا بدّ من إحسان العمل أيضا، وجرت سنة القرآن أن يقرن الإيمان بالعمل الصالح، مثل قوله تعالى:

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء ١٢٤/ ٤] وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء ٩٤/ ٢١].

واشتدّ الخصام والنزاع بين أهل الكتاب، فلم يكتفوا بما سبق، بل قالت اليهود: ليست النصارى على شيء من الدين يعتدّ به، فلا يؤمنون بالمسيح الذي بشّرت به التوراة، ولا يزالون إلى اليوم يدّعون أن المسيح المبشّر به لما يأت بعد، وينتظرون ظهوره، وإعادته الملك إلى شعب إسرائيل. وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء من الدين الصحيح، فأنكروا تتميم المسيح لشريعة اليهود.

قالوا ذلك والحال أنهم أصحاب كتاب يدّعون تلاوته ويؤمنون به، فالتوراة تبشر برسول منهم يأتي بعد موسى، والإنجيل يقول: إن المسيح جاء متمما لناموس (شريعة) موسى، لا ناقضا، فلو أن اليهود تؤمن بالتوراة، والنصارى تؤمن بالإنجيل، لما قالوا مثل ذلك، لأن كل كتاب نزل من عند الله، مصدقا لما

<<  <  ج: ص:  >  >>