قومه بني إسرائيل، ففعل، وأتى بهم للميقات الذي وقّته الله تعالى وهو مكان في جبل الطور: طور سيناء حيث ناجى ربه، وقد أمرهم أن يصوموا، ويتطهروا، ويطهروا ثيابهم.
والظاهر من ترتيب سرد الآيات أن اختيار هذا العدد كان عند طلب موسى رؤية الله عز وجل قبل اتخاذ عبادة العجل، وذلك ليكون سماعهم مناجاة موسى ربه دليلا على صدقه، فلما أتوا ذلك المكان قالوا: يا موسى، لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته فأرناه، فأخذتهم رجفة الجبل وصعقوا حينما ألحوا في طلب الرؤية.
ولم تكن تلك الرجفة موتا، ولكن القوم لما رأوا تلك الحالة المهيبة، أخذتهم الرعدة ورجفوا، وخاف موسى عليه السلام الموت، فعند ذلك بكى ودعا، فكشف الله عنهم تلك الرجفة. قال وهب: ما ماتوا، ولكن أخذتهم الرجفة من الهيبة حتى كادت أن تبين مفاصلهم، وخاف موسى عليهم الموت.
ولما أخذتهم الرجفة قال موسى: رب أتمنى لو كانت مشيئتك قد سبقت بإهلاكهم قبل هذا الوقت وقبل خروجهم معي إلى هذا المكان، أي حين طلب الرؤية، وأهلكتني معهم كذلك قبل أن أرى ما رأيت من رعدتهم، كيلا أحرج مع قومي، فيقولوا: قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم.
ثم أردف موسى قائلا:{أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا} أي حيث طلبوا الرؤية لك جهارا لسماعهم كلامك، وهو قولهم:{أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً} أي لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا من العناد وسوء الأدب.
وما هي إلا فتنتك أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك حين كلمتني، فسمعوا كلامك وطلبوا الرؤية، فليس الأمر إلا أمرك، وما الحكم إلا لك، فما شئت كان، تضل بالمحنة من تشاء من عبادك وهم الجاهلون غير المتثبتين في معرفتك،