للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} والإنزال لا يشعر بالكثرة، والإرسال يشعر بها، فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب القليل، ثم جعله كثيرا.

٨ - قال هنا: {بِما كانُوا يَظْلِمُونَ} وقال هناك: {بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} إشارة إلى حصول الوصفين منهم، فهم ظالمو أنفسهم، وهم فاسقون خارجون عن طاعة الله تعالى، ثم إن الظلم فيه معنى الاعتداء على الغير، والفسق فيه معنى الخروج عن الدين.

وزيد هنا كلمة {مِنْهُمْ} في قوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ولم تذكر هناك، وزيادتها تأكيد في البيان. ومعنى التبديل أنهم تجرؤوا على المخالفة التامة بالقول والفعل، دون اجتهاد ولا تأويل.

والمعنى العام للآية: أن الله تعالى يذكّر بني إسرائيل المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم بما حصل من أسلافهم، وهم ملومون مثلهم لرضاهم بأفعال الأسلاف، فقد أمرهم الله بأن يدخلوا القرية وهي بيت المقدس أو قرية غيرها، والعرب تسمي المدينة قرية، داعين الله أن يغفر ذنوبهم، ومظهرين الخضوع والخشوع لله تعالى، وقد وعدهم الله بشيئين: الغفران وزيادة الإحسان. ولكن طبيعة اليهود التي يغلب عليها العصيان والتمرد أبت عليهم إلا تحدي الأمر الإلهي، والتنكر له، والتجرؤ على المخالفة بالقول والفعل، فقالوا: حبّة في شعرة، بدل حطة وزحفوا على أستاههم، بدل تنكيس رؤوسهم وخشوعهم وتواضعهم لله، شكرا له على نعمه عند دخول القرية، والتنعم بخيراتها من طعام وفاكهة وشراب.

وماذا كانت النتيجة المنتظرة؟ النتيجة أن الله تعالى صب عليهم عذابا من السماء صبا، بسبب ظلمهم أنفسهم وغيرهم، وفسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى إلى طاعة أهوائهم وشياطينهم، ولسخريتهم من أوامر الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>