هذا هو العقاب الأول على معاصي اليهود المتكررة وتمردهم على أحكام الله، وهو تسليط الأمم عليهم لإذلالهم وتعذيبهم.
والعقاب الثاني: هو تفريقهم وتمزيقهم جماعات وطوائف وفرقا في أنحاء الأرض، فلا يخلو منهم قطر من الأقطار، فيهم الصالح وغير ذلك.
فمنهم الصالحون المحسنون الذين يؤمنون بالأنبياء بعد موسى، ويؤمنون بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم، ويؤثرون الآخرة على الدنيا، مثل أولئك الذين نهوا عن الاعتداء في السبت، ومثل عبد الله بن سلام وأصحابه الذين أسلموا.
ومنهم من هو دون غيره في الصلاح، ومنهم الفسقة الفجرة الكفرة الذين كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، ومنهم السماعون للكذب الأكّالون للسّحت كالرشا والربا لتبديل الأحكام والقضاء بغير ما أنزل الله. وفي الجملة: معنى {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ} أي منحطون عن الصلاح، وهم كفرتهم وفسقتهم.
والله يعامل الفريقين كما يعامل غيرهم، فيختبرهم بالحسنات أي بالنعم وبالسيئات أي بالنقم، لعلهم يرجعون عن ذنبهم، ويشكروا النعمة، ويصبروا على النقمة.
ثم ظهر من الصالحين ومن دونهم خلف ورثوا التوراة عن أسلافهم، أي تلقفوا ما فيها من الأحكام وقرءوها واطلعوا على ما فيها. وهم الذين كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، ولكنهم هجروها وآثروا الدنيا ومتاعها وزينتها وتفانوا في جمع حطامها، لا يبالون، حلالا كان أو حراما أي من غير طريق شرعي، كالسحت والرشوة والمحاباة في الحكم والاتجار في الدين وتحريف الكلم عن مواضعه، وزعموا أن الله سيغفر لهم ولا يؤاخذهم على أفعالهم وسيئاتهم، قائلين: إننا أبناء الله وأحباؤه، وسلائل أنبيائه، وهم مقيمون على المعاصي، مصرون على الذنوب، لا يتورعون عن ضم الحرام إلى غيره، فإن يأتهم عرض آخر من عروض الدنيا مثل