للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف العلماء في هذه الآية آية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ..}. على رأيين:

رأي السلف، ورأي الخلف. أما السلف من المفسرين فقالوا: إن الله خلق آدم وأخرج من ظهره ذريته كالذر، وأحياهم وجعل لهم عقلا وإدراكا، وألهمهم ذلك الحديث وتلك الإجابة، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم، فأقروا بذلك، وقد روي هذا المعنى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من طرق كثيرة لا يخلو بعضها من ضعف وانقطاع، وقال به جماعة من الصحابة (١).

وأما الخلف فقالوا: هذا من قبيل التمثيل والتصوير، والمجاز والاستعارة فلا سؤال ولا جواب، وإنما أقام الله الأدلة الكونية على وحدانيته وربوبيته للكون كله، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه قال للخلق: أقروا بأني ربكم، ولا إله غيري، وكأنه أشهدهم على أنفسهم، وقال لهم: ألست بربكم؟ فقالوا: بلى (٢). وهذا ما اختاره الزمخشري وأبو حيان وأبو السعود والبيضاوي. وقال عنه الرازي: لا طعن فيه البتة.

وحدد ابن كثير دلالة الأحاديث، فقال: هذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميّز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وهما موقوفان لا مرفوعان، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد، إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، وقد فسر الحسن الآية بذلك.

قالوا: ولهذا قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ولم يقل: من آدم،


(١) تفسير الرازي: ٤٦/ ١٥، تفسير ابن كثير: ٢٦١/ ٢ - ٢٦٤.
(٢) روي عن ابن عباس أنه قال: «لو قالوا: نعم، لكفروا» لأن «نعم» تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، فكأنهم أقروا أنه ليس ربهم، بخلاف «بلى» فإنها حرف جواب، وتختص بالنفي وتفيد إبطاله، والمعنى: بلى أنت ربنا، ولو قالوا: نعم، لصار المعنى: نعم لست ربنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>