للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فتستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه؛ فاستأذن لعيينة. فلما دخل قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل! قال: فغضب عمر، حتى همّ بأن يقع به. فقال الحرّ: يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه عليه الصلاة والسّلام: {خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} وإن هذا من الجاهلين. فوالله، ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا (١) عند كتاب الله عز وجل.

وكذلك شتم عصام بن المصطلق الحسن بن علي وشتم أباه، فنظر إليه نظرة عاطف رؤف، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} (٢).

فالتزام عمر بالآية، وكذا التزام الحسن بن علي بها دليل على أنها محكمة.

ففي حالة التعمد بالجفاء على السلطان والاستخفاف بحقه يستحق التعزير، وفي غير ذلك يكون الإعراض والصفح والعفو، كما فعل عمر.

وأما بقية الآيات فجعلت الناس قسمين: المؤمنين المتقين، وإخوان الشياطين. أما المؤمنون المتقون فإنه إذا مسهم طائف من الشيطان وألمت بهم لمّة تحملهم على المعاصي، تذكروا أمر الله ونهيه، وثوابه وعقابه، فأبصروا الحق وحذروا وسلموا، وإن تورطوا في المعصية ندموا وتابوا ورجعوا إلى الله تعالى.

والاستعاذة بالله عند وسوسة الشيطان وإغرائه بالمعصية: أن يتذكر المرء عظيم نعم الله عليه، وشديد عقابه، فيدعوه كل واحد من الأمرين إلى الإعراض عن هوى النفس، والإقدام على طاعة أمر الشرع.


(١) أي لا يتجاوز حكمه، تفسير القرطبي: ٣٤٧/ ٧، تفسير ابن كثير: ٢٧٧/ ٢ وما بعدها
(٢) انظر القصة في تفسير القرطبي: ٣٥٠/ ٧ - ٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>