والمخلوقات كلها تقنت لله، أي تخضع وتطيع، والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم.
قال الجصاص عن قوله تعالى:{بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}: فيه دلالة على أن ملك الإنسان لا يبقى على ولده، لأنه نفى الولد بإثبات الملك بقوله تعالى:{بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يعني ملكه، وليس بولده (١).
وقال القرطبي: والله تعالى مبدع السموات والأرض أي منشئها وموجدها ومبدعها ومخترعها على غير حد ولا مثال سبق. وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له: مبدع. ومنه أصحاب البدع، وسميت البدعة بدعة، لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام، وفي البخاري:«ونعمت البدعة هذه» يعنى قيام رمضان.
وكل بدعة صدرت من مخلوق، فلا يخلو إما أن يكون لها أصل في الشرع أو لا، فإن كان لها أصل، كانت واقعة تحت عموم ما ندب الله إليه، وحض رسوله عليه، فهي في حيّز المدح. وإن لم يكن مثاله موجودا كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهذا فعله من الأفعال المحمودة، وإن لم يكن الفاعل قد سبق إليه. ويعضد هذا قول عمر رضي الله عنه:«نعمت البدعة هذه» لمّا كانت من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح. وإن كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله، فهي في حيز الذم والإنكار. وهو معنى
قوله صلّى الله عليه وسلّم في خطبته:«وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» يريد ما لم يوافق كتابا أو سنة، أو عمل الصحابة رضي الله عنهم. وقد بيّن هذا
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء.