للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنه مبطل، لقيام الحجة عليه. وهذا برهان عملي محسوس، والمحسوسات أو التجارب أوقع أثرا في الاستدلال من البراهين النظرية أو العقلية المجردة.

وإن الله لسميع عليم، أي لا يخفى عليه شيء من أقوال الكافرين والمؤمنين، ولا من عقائدهم وأفعالهم، فهو سميع لما قاله الكافرون، وعليم بأحوالهم، وسميع لدعاء المؤمنين وتضرعهم واستغاثتهم، وعليم بهم وبأنهم يستحقون النصر على أعدائهم، ويجازي كلا بما يسمع ويعلم.

واذكر أيها النبي إذ يريك الله الكفار في منامك قليلا أي ضعفاء، فتخبر أصحابك بذلك، فتثبت قلوبهم، وتطمئن نفوسهم.

ولو أراكهم كثيرا أي أقوياء في الواقع لجبنتم عنهم، واختلفتم فيما بينكم، وتنازعتم في شأن القتال؛ إذ منهم قوي الإيمان والعزيمة، ومنهم الضعيف الذي يحسب للأمر ألف حساب.

ولكن الله سلّم من ذلك الفشل (الجبن) والتنازع، بأن أراكهم قليلا، إنه تعالى عليم بذات الصدور أي بما تخفيه الصدور، وتنطوي عليه النفوس من شعور الضعف والجزع الذي يؤدي إلى الانثناء عن القتال.

واذكروا أيها الرسول والمؤمنون الوقت الذي يريكم الله الكفار قبل القتال عددا قليلا، في رأي العين المجردة، حتى تجرأتم وارتفعت معنوياتكم، ويجعلكم بالفعل قلة في أعين الكفار، فيغتروا، ولا يعدوا العدة لكم، حتى قال أبو جهل:

«إنما أصحاب محمد أكلة جزور، خذوهم أخذا، واربطوهم بالحبال» أي أنهم عدد قليل يكفيهم جزور واحد في اليوم، ويشبعهم لحم ناقة.

ليقضي الله أمرا كان مفعولا، أي فعل كل ذلك ليمهد للحرب، فتكون سبيلا في علمه تعالى لنصرة المؤمنين وإعزاز الإسلام، وهزيمة الكافرين وإذلال الكفر والشرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>