فقال:{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ..}. أي أنه تعالى فعل بهؤلاء المشركين المكذبين برسالة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وكفرهم بها، كما فعل بالأمم المكذبة قبلهم، فعادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون (أي قومه) في كفرهم، فجوزي هؤلاء بالقتل والسبي، كما جوزي أولئك بالإغراق، كفر هؤلاء المشركون والكفار بآيات ربهم، فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فالسنة والعادة في الفريقين واحدة، والجزاء من جنس العمل.
{إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ} أي إن الله قوي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب.
روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال:«إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».
ثم أخبر الله تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، فقال: ذلك العذاب الناجم عن سوء العمل وإهلاك قريش بكفرها بأنعم الله عليها، بسبب سنته تعالى وحكمته التي اقتضت ألا يغير نعمته على قوم، حتى يغيروا ما بهم من الحال، فيكفروا النعمة، ويبطروا بها، فاستحقوا تبديل الأوضاع، كتبديل أهل مكة إطعامهم من جوع، وأمنهم من خوف، كقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ، وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ}[الرعد ١١/ ١٣].
وفي هذا دلالة واضحة على أن استحقاق النعم منوط بصلاح العقائد، وحسن الأعمال، ورفعة الأخلاق، وأن زوال النعم يكون بسبب الكفر والفساد وسوء الأخلاق، إلا أن يكون ذلك استدراجا كما قال تعالى في آية أخرى:
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[القلم ٦٨/ ٤٤].
وكل الناس تحت رقابة الله المتصرف فيهم، لذا قال: {وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ