للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتساوى الطرفان في العلم بقيام حالة الحرب. حكى الطبري عن مجاهد: أن هذه الآية نزلت في بني قريظة وبني النضير. فآية {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} في شأن بني قريظة، الذين كانت خيانتهم ظاهرة مشهورة حين تحزبوا مع قريش في وقعة الخندق. وآية {وَإِمّا تَخافَنَّ} تشمل بني النضير وغيرهم ممن تخاف خيانتهم.

وقد تساءل ابن العربي حول آية {وَإِمّا تَخافَنَّ} ثم أجاب عن التساؤل، فقال: كيف يجوز نقض العهد مع خوف الخيانة، والخوف ظنّ لا يقين معه، فكيف يسقط‍ يقين العهد بظنّ الخيانة؟ والجواب من وجهين:

أحدهما-أن الخوف هاهنا بمعنى اليقين، كما يأتي الرجاء بمعنى العلم، كقوله تعالى: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً} [نوح ١٣/ ٧١].

الثاني-إنه إذا ظهرت آثار الخيانة، وثبتت دلائلها، وجب نبذ العهد، لئلا يوقع التمادي عليه في الهلكة، وجاز إسقاط‍ اليقين هاهنا بالظن للضرورة (١).

أي أن قوله: {تَخافَنَّ} إما بمعنى تعلمنّ، وإما بمعنى تظنن، ويكفي الظن للضرورة.

وأما إذا علم اليقين فيستغنى عن نبذ العهد إليهم، وقد سار النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكة عام الفتح؛ لما اشتهر منهم نقض العهد، من غير أن ينبذ إليهم عهدهم.

وفي الآية دلالة واضحة على إيجاب الإسلام المحافظة على العهود مع الأعداء، وتحريم الخيانة معهم.

روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «لكل غادر لواء يوم القيامة، يرفع له بقدر غدره، ألا


(١) أحكام القرآن: ٨٦٠/ ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>