للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسوله واليوم الآخر، زالت الخصومات، وحصلت المودة التامة والمحبة الشديدة.

وقد أيد الله رسوله بمعونته ونصرته وبالمؤمنين من المهاجرين، وهذه آية ربانية ومعجزة أخرى للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم الذي كان فردا وحده يدعو إلى الإسلام، فأيده الله بتوفيقه، وحماه بالمؤمنين التابعين من حوله، في مكة والمدينة.

وأرشدت آية: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ} إلى أن الواجب على المسلمين الإقدام على الجهاد بروح وثابة عالية، وشجاعة فائقة، وصبر شديد، وعزيمة لا تلين، حتى إنه كان المسلم مطالبا في مبدأ الأمر بالصمود أمام العشرة من الأعداء، ثم خفف الله عنه، فاكتفي بمطالبته بالثبات أمام اثنين فقط‍.

وهذا بدليل قول ابن عباس المتقدم، فإن الثبات أمام العدو فرض على المسلمين، لا اختيار لهم فيه، ويحرم عليهم الانهزام أمام ضعفي العدد؛ لأن قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ..}. وإن ورد بصيغة الخبر، فالمراد به الأمر، والأمر يقتضي الوجوب؛ لأن التخفيف إنما يكون في المأمور به، لا في المخبر عنه. ونظرا لوجود التخفيف، فلا محالة-كما قال الجصاص-قد وقع النسخ عن المسلمين فيما كلفوا به أولا، ولم يكن أولئك القوم قد نقصت بصائرهم، ولا قلّ صبرهم، وإنما خالطهم قوم لم يكن لهم مثل بصائرهم ونياتهم، وهم المعنيون بقوله تعالى: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} (١).

ودل قوله: {بِإِذْنِ اللهِ} على أنه لا تقع الغلبة إلا بإذن الله، أي إرادته.

ودل قوله: {وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ} على تأييد الله الصابرين وإعانتهم.


(١) أحكام القرآن للجصاص: ٧١/ ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>