وفي جعل الصنف الرابع من جملة الأصناف الثلاثة السابقة بقوله {فَأُولئِكَ مِنْكُمْ} دليل على فضل السابقين على اللاحقين، كما أن في الآية قدرا مشتركا بين الصنف الأول والأخير وهو الهجرة والإيمان، مما يدل على الترغيب فيهما.
ثم ذكر الله تعالى ولاية الرحم والقرابة بعد ولاية الإيمان والهجرة، فقال:
{وَأُولُوا الْأَرْحامِ..}. أي أصحاب القرابة التي تربط بينهم رابطة الدم، والآية عامة تشمل جميع القرابات، سواء أكانوا من ذوي الفروض أم العصبات (القرابة من جهة الأب) أم الأرحام (القرابة من جهة الأم) في اصطلاح علماء الفرائض، هؤلاء بعضهم أولى ببعض أي أجدر وأحق من المهاجرين والأنصار الأباعد بالتناصر والتعاون والتوارث في دار الهجرة، في كتاب الله، أي في حكم الله الذي كتبه على عباده المؤمنين، وأوجب به عليهم صلة الأرحام.
فولاية الرحم أهم من ولاية الإيمان وولاية الهجرة في عهدها السابق، والقريب المؤمن أولى بقريبه الرحم من المؤمن المهاجر والأنصاري البعيد القرابة، فتكون الآية مخصصة ما سبقها. أما القريب الكافر فيقطع الكفر صلته بقريبه.
وتكون الأخوة في النسب والدم، والأخوة في الله أولى في حكم الله من مجرد الأخوة الدينية.
ثم ختم الله الآية بقوله:{إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي إن الله عليم بكل الأشياء، وعلمه واسع محيط بكل شيء من مصالحكم الدنيوية والأخروية، وبكل ما شرعه في هذه السورة من أحكام في السلم والحرب والغنائم والأسرى والعهود والمواثيق والولاية العامة والخاصة بين المؤمنين وصلة الأرحام، وهو إشارة إلى أن جميع أحكام السورة محكمة غير منسوخة ولا منقوضة وكلها حكمة وصواب وصلاح، وليس فيها شيء من العبث، ونظير ذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ}[الأعراف ٥٢/ ٧].