للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرات، فقال الشيخ: أتهز أبي، يا ابن (قسورة)، وأنا رجل (كبارا)، إن هذا الشيء (عجاب)! فسألوه، هل هذا في اللغة العربية؟ فقال: نعم.

وكان الإمام الشافعي رحمه الله أول من رد بكلامه الفصيح، وحجته القوية على هذا الزعم، مبينا أنه ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، مفندا حجج هؤلاء الزاعمين وأهمها ثنتان:

الأولى-أن في القرآن خاصا يجهل بعضه بعض العرب.

والثانية-أن في القرآن ما ينطق به غير العرب.

ورد على الحجة الأولى: بأن جهل بعض العرب ببعض القرآن ليس دليلا على عجمة بعض القرآن، بل هو دليل على جهل هؤلاء ببعض لغتهم، فليس لأحد أن يدعي الإحاطة بكل ألفاظ‍ اللسان العربي، لأنه أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها لفظا، ولا يحيط‍ بجميع علمه إنسان غير نبي.

ثم رد على الحجة الثانية: بأن بعض الأعاجم قد تعلم بعض الألفاظ‍ العربية، وسرت إلى لغاتهم، ويحتمل أن يوافق لسان العجم أو بعض الألسنة قليلا من لسان العرب، وقد يكون بعض الألفاظ‍ العربية من أصل أعجمي، لكن هذا القليل النادر من أصل غير عربي قد سرى قديما إلى العرب، فعرّبوه، وأنزلوه على طبيعة لغتهم، وجعلوه صادرا من لسانهم، بحسب حروفهم ومخارج تلك الحروف وصفاتها في لغة العرب، وذلك مثل الألفاظ‍ المرتجلة والأوزان المبتدأة لها، وإن كانت في الأصل تقليدا في تغمتها للغات الأخرى (١).

وتضافرت الآيات القرآنية بالتصريح بأن القرآن كله عربي، جملة


(١) الرسالة للإمام الشافعي: ص ٤١ - ٥٠، ف ١٣٣ - ١٧٠، وانظر المستصفى للغزالي: ٦٨/ ١، وروضة الناظر: ١٨٤/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>