وهذا الحكم ثابت في كلّ وقت، قال الحسن رضي الله عنه: هي محكمة إلى يوم القيامة.
وعن سعيد بن جبير: جاء رجل من المشركين إلى علي رضي الله عنه فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلام الله، أو يأتيه لحاجة قتل؟ قال: لا؛ لأن الله تعالى يقول:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ}.
وروي عن السّدّي والضّحّاك رضي الله عنهما: هي منسوخة بقوله تعالى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}. وردّ القرطبي: والصّحيح أن الآية محكمة، بدليل ما قاله الإمام علي رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن جبير من الكلام السابق.
ثم قال تعالى:{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} يعني أن ذلك التّسامح المفهوم من الأمر بإجارة المستجير في قوله تعالى: {فَأَجِرْهُ} وإبلاغه مأمنه، بسبب أن هؤلاء المشركين قوم جهلة، لا يعلمون حقيقة الإسلام وما يدعو إليه، ومن جهل شيئا عاداه، فلا بدّ من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق.
وبناء عليه كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يعطي الأمان لمن جاءه مسترشدا أو حاملا رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرّسل من قريش، منهم عروة بن مسعود، ومكرز بن حفص، وسهيل بن عمرو وغيرهم، واحدا بعد واحد، يتردّدون في القضيّة بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ما بهرهم، وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم وأخبروهم بذلك. وكان ذلك من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
ولما قدم رسولا مسيلمة الكذّاب على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال لهما: أتشهدان أن مسيلمة رسول الله؟ قالا: نعم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود عن نعيم بن مسعود:«والله لولا أنّ الرّسل لا تقتل، لضربت أعناقكما».
والآية تفيد عموم حكم الأمان لأهداف دينيّة أو سياسيّة أو تجاريّة، قال