وبعد أن ذكر الله تعالى هذه الأسباب الثلاثة التي تستدعي الإقدام على القتال زاد أربعة أخرى: أولها-تعداد موجبات القتال وتفصيلها، وثانيها- التحميس بالإغارة والتحريك، كما لو قال شخص لآخر: أتخشى خصمك وتخافه؟ وثالثها-كون الله أحق بالخشية؛ لأنه صاحب القدرة المطلقة التي تدفع الضرر المتوقع وهو القتل، ورابعها-إن كنتم مؤمنين، فالإيمان قوة دافعة على الإقدام. فهذه أمور سبعة تبعث على مقاتلة أولئك الكفار الناكثين.
وبعد بيان هذه الأسباب أنكر الله تعالى عليهم الخشية من المشركين ووبخهم عليها، فقال:{أَتَخْشَوْنَهُمْ}؟ أي أبعد هذا تتركون قتالهم خشية وخوفا منهم؟ فإن كنتم تخشونهم، فالله أحق بالخشية، أي لا تخشوهم واخشون، فأنا أحق بالخشية منهم، إن كنتم مؤمنين بي، إذ شرط الإيمان الخوف من الله وحده دون سواه؛ لأن بيده النفع والضرّ.
وفي هذا دلالة على أن المؤمن الذي يخشى الله وحده يجب أن يكون أشجع الناس وأجرأهم على القتال.
وبعد أن ذكر الله تعالى مسوغات القتال وحكمته، أمر به المؤمنين أمرا صريحا، فقال:{قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ..}. أي قاتلوهم أيها المؤمنون، وهذا عام في المؤمنين كلهم، فإن قاتلتموهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم بالقتل والأسر والهزيمة، وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين امتلأت غيظا من أفعال المشركين بهم في مكة، وهم بنو خزاعة حلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، كما قال مجاهد.
ويذهب غيظ قلوبهم أي قلوب هؤلاء المؤمنين على المشركين من غدرهم وظلمهم وشدة إيذائهم. أو يذهب غيظ قلوبكم لما لقيتم من شدة المكروه منهم. والفرق بين شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب: أن الأول إحداث للسرور بتحقيق النصر الذي ينتظرونه بعد وعد الله لهم به، وأن الثاني: إزالة لآثار الواقع.