وليس المراد من الرجاء المستفاد من (عسى) حقيقته، فذلك لا يصح أن يكون صادرا من الله؛ لأنه ظن بحصول أمر وقعت أسبابه. وإنما عبر بكلمة (عسى) إشارة إلى قطع أطماع الكفار من الانتفاع بأعمالهم التي افتخروا بها وتأملوا عاقبتها، أي إذا كان جزاء المؤمنين على أعمالهم منوطا بالرجاء منهم، فليس للكفار أي دور، أو إذا كان حصول الاهتداء للمؤمنين دائرا بين-لعل وعسى-فما بال هؤلاء المشركين يقطعون بأنهم مهتدون ويجزمون بفوزهم بالخير من عند الله تعالى؟! ويؤكد استحقاق عمارة المساجد من قبل المتصفين بالأوصاف السابقة أحاديث نبوية كثيرة، منها في البناء المادي أو الحسي:
ما رواه الشيخان والترمذي عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: «من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة».
ومنها ما رواه أحمد عن ابن عباس مرفوعا:
«من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها، بنى الله له بيتا في الجنة» والمفحص:
موضع البيض. وروى الحارث بن أبي أسامة وأبو الشيخ بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه:«من أسرج في مسجد سراجا، لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له، ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج».
ومنها في العمارة المعنوية:
ما رواه الشيخان والحافظ أبو بكر البزار وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إنما عمّار المساجد هم أهل الله».
ومنها ما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال:«إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد، فاشهدوا له بالإيمان. قال الله تعالى:{إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
ومنها قوله عليه الصلاة والسّلام فيما رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود وهو ضعيف: قال الله تعالى: إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره».