وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء ٤٨/ ٤]. وهذا هو الأرجح الظاهر من الآية.
والمراد بالنجس: النجاسة المعنوية أي نجاسة الاعتقاد. ونقل الزمخشري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب والخنازير، تمسكا بظاهر هذه الآية (١). ولكن جمهور الفقهاء اتفقوا على خلاف ذلك وعلى طهارة أبدانهم، فليس المشرك أو الكافر نجس البدن والذات؛ لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب.
والمقصود بالمسجد الحرام كما تبين في المفردات: الحرم كله في رأي عطاء والشافعية، وخصوص المسجد الحرام في مذهب المالكية أخذا بظاهر اللفظ، ورأى الحنفية أن ليس المراد النهي عن دخول المسجد الحرام، وإنما المراد النهي عن أن يحج المشركون ويعتمروا، كما كانوا يعملون في الجاهلية، بدليل قوله تعالى:{بَعْدَ عامِهِمْ هذا} أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا وهو العام التاسع من الهجرة،
ولقول علي رضي الله عنه حين نادى بسورة براءة:«ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك» ولأن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} يدل على أن خشية العيلة بسبب انقطاع مواسم المشركين، لمنعهم من الحج والعمرة، ولإجماع المسلمين على منع المشركين من سائر أعمال الحج وإن لم تكن في المسجد.
ثم ألقى الله الطمأنينة في قلوب المسلمين بشأن توافر موارد الأطعمة وأنواع التجارات، فقال:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً..}. أي وإن خفتم أيها المسلمون فقرا، بسبب قلة جلب الأقوات وأنواع التجارات التي كان المشركون يجلبونها، ومنعوا بعد هذا العام من دخول المسجد الحرام، فسوف يغنيكم الله من فضله وعطائه بوجه آخر، وييسر لكم موارد المعيشة والأرزاق والمكاسب.
(١) وهو قول الهادي من أئمة الزيدية ورأي بعض الظاهرية، وروى ابن جرير عن الحسن: من صافح مشركا توضأ.