وقوله تعالى:{فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} إخبار عن غيب في المستقبل على سبيل الجزم، وقد وقع الأمر مطابقا لذلك الخبر، فكان معجزة.
وفي هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بأسباب الرزق جائز، ولا ينافي ذلك التوكل، وإن كان الرزق مقدرا، وأمر الله وقسمه مفعولا، ولكنه علقه بالأسباب، لحمل الناس على العمل، والسبب لا ينافي التوكل، بدليل
ما أخرج البخاري من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا (١)» فأخبر أن التوكل الحقيقي لا يعارضه الغدو والرواح في طلب الرزق.
وقوله تعالى:{إِنْ شاءَ} يدل على أن الرزق ليس بالاجتهاد، وإنما هو فضل من الله تعالى تولى قسمته، وذلك في قوله:{نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا..}. [الزخرف ٣٢/ ٤٣].
٥ - إقامة الكفار في ديار الإسلام:
بلاد الإسلام بالنسبة لدخول الكفار إليها وإقامتهم فيها ثلاثة أقسام:
الأول-الحرم المكي: يمنع الكافر من دخول الحرم المكي وهو قول الشافعية والحنابلة، عملا بظاهر الآية، فلا يسمح لكافر بدخول الحرم، ولو كان حاملا رسالة، وإنما يخرج إليه الإمام أو نائبه خارج الحرم ليسمع رسالته. وأجاز المالكية لغير المسلم دخول حرم مكة دون البيت الحرام بأمان لمدة ثلاثة أيام، أو بحسب الحاجة في تقدير المصلحة من قبل الإمام.
وأباح أبو حنيفة أيضا للكافر دخول الحرم بإذن الإمام أو نائبه، ثلاثة أيام بلياليها.
(١) أي تغدو بكرة وهي جياع، وتروح عشية وهي ممتلئة الأجواف والبطون.