للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى: {اِنْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ}: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله ولإعلاء كلمته. و {اِثّاقَلْتُمْ}: تكاسلتم وملتم إلى الراحة وطيب الثمار والتفيؤ في الظلال. فهذا ليس من شأن الإيمان الذي يدعو إلى بذل النفس والمال في سبيل الله وطاعة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} [الحجرات ١٥/ ٤٩].

أرضيتم بلذات الحياة الدنيا بدلا من الآخرة وسعادتها ونعيمها؟ إن كنتم فعلتم ذلك فقد تركتم الخير الكثير في سبيل الشيء الحقير، فما تتمتعون به في الدنيا متاعا مقترنا بالهم والألم، إذا قيس بنعيم الآخرة الدائم المقيم، إلا شيء حقير، لا يصلح عوضا عن الشيء الكثير.

روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع؟» وأشار بالسبابة.

وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول:

«إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة» ثم تلا هذه الآية: {فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ}.

فالآية والحديث تزهيد في الدنيا، وترغيب في الآخرة.

ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد، فقال: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ..}. أي إن لم تخرجوا مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى ما دعاكم إليه، يعذبكم عذابا مؤلما في الدنيا كالهلاك بالقحط‍ وغلبة العدو، ويستبدل بكم قوما غيركم، لنصرة نبيه وإقامة دينه، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} [محمد ٣٨/ ٤٧] أي أنه تعالى يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم وأطوع،

<<  <  ج: ص:  >  >>