وقد بادر الصحابة لتنفيذ هذا الأمر الإلهي الحاسم العام، فقال أبو أيوب الأنصاري-وقد شهد المشاهد كلها إلا غزاة واحدة-: قال الله تعالى: {اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً} فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا.
وروى ابن جرير الطبري عن أبي راشد الحرّاني قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وقد فصل عنها من عظمه، يريد الغزو، فقلت: قد أعذر الله إليك، فقال:
أتت علينا سورة البعوث (أي سورة براءة): {اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً}.
وروى ابن جرير أيضا عن صفوان بن عمرو قال: كنت واليا على حمص، فلقيت شيخا قد سقط حاجباه، من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو، قلت: يا عم، أنت معذور عند الله، فرفع حاجبيه، وقال: يا ابن أخي، استنفرنا الله خفافا وثقالا، ألا إن من أحبه الله ابتلاه.
والجهاد واجب بالنفس والمال إذا قدر عليهما، أو على أحدهما، على حسب الحال والحاجة، فقد كان المسلمون ينفقون على أنفسهم من أموالهم، وهم يعدّون السلاح، وقد ينفقون على غيرهم، كما فعل عثمان رضي الله عنه في تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك، وكما فعل غيره من أغنياء الصحابة. فهذه الآية:
{اِنْفِرُوا} تتناول القادر المتمكن؛ إذ عدم الاستطاعة عذر في التخلف.
ولما أصبح في بيت المال وفر وسعة، صار الحكام يجهزون الجيوش من بيت المال، وهذا هو المتبع الآن، حيث تخصص بنود من الميزانية كل عام لنفقات الحرب والدفاع، وتزاد الميزانية عند الحاجة.