٩ - قوله:{أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} دليل على أن الجهاد نوعان:
جهاد بالمال وجهاد بالنفس. والجهاد بالمال له وجهان: إنفاق المال في التسليح والإعداد المادي الذي تتطلبه المعارك عادة، وإنفاق المال على المجاهدين وأسرهم وإعانتهم بالزاد والعتاد. والجهاد بالنفس أنواع منها: مباشرة القتال بالفعل وهو الأفضل، ومنها التحريض على القتال والأمر به، ومنها الإخبار بعورات العدو ومواطن الضعف لديه، والإرشاد إلى مكايد الحرب، وتنبيه المسلمين إلى الأولى والأصلح في أمر الحروب،
كما قال الحباب بن المنذر حين نزل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ببدر، فقال: يا رسول الله، أهذا رأي رأيته أم وحي؟ فقال: بل رأي رأيته، قال:
فإني أرى أن تنزل على الماء وتجعله خلف ظهرك، وتغوّر الآبار التي في ناحية العدو، ففعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ذلك. ومنها بيان ما افترض الله من الجهاد وذكر الثواب الجزيل لمن قام به والعقاب لمن قعد عنه.
وأي الجهادين أفضل، أجهاد النفس والمال، أم جهاد العلم؟ الحقيقة أن جهاد العلم أصل، وجهاد النفس فرع، والأصل أولى بالتفضيل من الفرع.
فإذا كان النفير عاما: تعين فرض الجهاد على كل أحد، فيكون الاشتغال في هذه الحال بالجهاد أفضل من تعلم العلم؛ لأن ضرر العدو إذا وقع بالمسلمين لم يمكن تلافيه، وتعلم العلم ممكن في سائر الأحوال، ولأن تعلم العلم فرض على الكفاية، لا على كل أحد في خاصة نفسه.
وأما إذا لم يكن النفير عاما: ففرض الجهاد على الكفاية، مثل تعلم العلم، إلا أن الاشتغال بالعلم في هذه الحال أولى وأفضل من الجهاد، لعلو مرتبة العلم على مرتبة الجهاد؛ لأن ثبات الجهاد بثبات العلم، ولأن الجهاد فرع عن العلم ومبني عليه (١).