له شبه بعذاب أولئك المنافقين والكفار السابقين مع أنبيائهم، فأنتم مثلهم مغرورون بالدّنيا ومتاعها الفاني، لكنهم {كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً، وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً}، فتمتعتم وخضتم كما تمتعوا وخاضوا، وانصرفتم مثلهم إلى الاستمتاع بنصيبكم من المال والولد، وبلذائذ الدّنيا وحظوظها الزائلة، وشغلتم عن التّمتع بكلام الله وهدي رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم، ولم تنظروا في عواقب الأمور، ولم تعملوا على طلب الفلاح في الآخرة، وتوافرت دواعي الخير عندكم، كما توافرت دواعي الشّرّ عندهم، فكنتم أسوأ حالا منهم، وأحقّ بالعقاب منهم. فقوله:{فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} أي بنصيبهم من ملاذ الدّنيا، أو بنصيبهم من الدّين، كما فعل الذين من قبلهم.
وخضتم كالذي خاضوا، أي دخلتم في الباطل كما دخلوا، أو خضتم خوضا كالذي خاضوا.
وفائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق (النصيب) في حقّ المتقدمين أولا، ثم ذكره في حق المنافقين ثانيا، ثم العود إلى ذكره مرة أخرى في حق المتقدمين ثالثا: هو ذمّ الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدّنيا، وحرمانهم عن سعادة الآخرة، بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ العاجلة، ثم شبّه منافقي العهد الإسلامي بأولئك، نهاية في المبالغة، وزيادة في قبح وجه الشّبه، كمن أراد أن ينبّه بعض الظّلمة على قبح ظلمه، فيقول له: أنت مثل فرعون، كان يقتل بغير جرم، ويعذّب من غير موجب، وأنت تفعل مثل فعله. وبالجملة فالتّكرار هاهنا للتّأكيد.
وبعد أن بيّن الله تعالى مشابهة هؤلاء المنافقين لأولئك الكفار المتقدّمين في طلب الدّنيا، وفي الإعراض عن طلب الآخرة، بيّن شبها آخر بين الفريقين: وهو تكذيب الأنبياء، والاتّصاف بالمكر والخديعة والغدر بهم، فقال:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا} أي كخوضهم الذي خاضوا، وقد خاضوا في الكذب والباطل.