لما كذّبوا هودا عليه السّلام، وثمود قوم صالح الذين أخذتهم الصّيحة لما كذّبوا صالحا عليه السّلام وعقروا النّاقة، وقوم إبراهيم الذين أهلكهم الله بسلب النعمة عنهم، وبتسليط البعوضة على ملكهم نمروذ بن كنعان بن كوش الكنعاني، ونصر الله إبراهيم عليه السّلام عليهم، وأيّده بالمعجزات الظاهرة وأنقذه من النار، وأصحاب مدين قوم شعيب عليه السّلام الذين أصابتهم الرّجفة وعذاب يوم الظّلّة، والمؤتفكات (١) قوم لوط الذين كانوا يسكنون في مدائن، فأهلكهم الله بالخسف، وجعل عالي أرضهم سافلها، وأمطر عليهم الحجارة، قال تعالى في آية أخرى:{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى}[النجم ٥٣/ ٥٣] أي الأمة المؤتفكة، وأمّ قراهم:
سدوم، أهلكهم الله عن آخرهم، بتكذيبهم نبي الله لوطا عليه السّلام، وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
ذكر الله تعالى هؤلاء الطوائف السّتّة، لأنه أتاهم نبأ هؤلاء تارة، بأن سمعوا أخبارهم في التاريخ المنقول من الناس، وتارة لأجل أن بلاد هؤلاء، وهي بلاد الشام، قريبة من بلاد العرب، وقد بقيت آثارهم مشاهدة.
وقوله تعالى:{أَلَمْ يَأْتِهِمْ} استفهام للتقرير والتوبيخ، أي أتاهم نبأ هؤلاء الأقوام، فلم يعتبروا.
هؤلاء أتتهم رسلهم بالبينات، أي بالمعجزات والحجج والدلائل القاطعات، وهنا لا بدّ من إضمار محذوف في الكلام، تقديره: فكذّبوا، فعجّل الله هلاكهم.
{فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ} بإهلاكه إياهم، لأنه أقام عليهم الحجّة بإرسال الرّسل، {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بسبب أفعالهم القبيحة، وتكذيبهم
(١) قال الواحدي: المؤتفكات: جمع مؤتفكة، ومعنى الائتفاك في اللغة: الانقلاب، وتلك القرى ائتفكت بأهلها، أي انقلبت فصار أعلاها أسفلها، فالمؤتفكات صفة القرى.