وربّكم وربّ العالمين، لا فرق بيننا وبينكم في العبودية لله، فهو خالقنا وخالقكم، ومالك أمرنا وأمركم، ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم الحسنة والسيئة، والله يجازي كل إنسان بعمله، فلا تفاضل بين الناس إلا بالتقوى والعمل الصالح، أما أنتم فقد اعتمدتم على أسلافكم الصالحين، وزعمتم أنهم شفعاء لكم، وأما نحن فنعتمد على إيماننا وعملنا، ونحن لله مخلصون في تلك الأعمال، لا نقصد بها إلا وجهه، فكيف تدّعون أن لكم الجنة والهداية دون غيركم؟! وكيف تقولون: إن اختصاصكم بالقرب من الله دوننا هو من الله، أو تقولون: إن امتيازكم باليهودية أو النصرانية التي أنتم عليها هو لأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط الأنبياء كانوا يهودا، أو كانوا نصارى، فأنتم مقتدون بهم؟ وهذا ادّعاء كاذب، فإن هذين الاسمين إنما حدثا فيما بعد، فما حدث اسم اليهودية إلا بعد موسى، وما حدث اسم النصرانية إلاّ بعد عيسى؟ والمراد إنكار ادّعاء الطرفين وتوبيخهم على كلا الأمرين، وهل أنتم تعلمون بالمرضي عند الله، أم أن الله أعلم بما يرضيه وما يتقبله؟ لا شك أن الله هو العليم بذلك دونكم، وقد ارتضى للناس ملّة إبراهيم، وأنتم تعترفون بذلك، وكتبكم تصدقه قبل أن تجيء اليهودية والنصرانية، فلماذا لا ترضون هذه الملّة؟ ولا أحد أشدّ ظلما ممن يكتم شهادة ثابتة عنده من الله، وهي شهادته تعالى لإبراهيم ويعقوب بالحنيفية المسلمة، والبراءة من اليهودية والنصرانية، وشهادته تعالى المثبتة في كتاب الله التي تبشر بأن الله يبعث في الناس نبيّا من بني إخوتهم، وهم العرب أبناء إسماعيل.
قال الزمخشري: ويحتمل معنيين:
أحدهما-أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم؛ لأنهم كتموا هذه الشهادة، وهم عالمون بها.