وهذا دليل على الجبن والذل والهوان. وفي تخصيص {أُولُوا الطَّوْلِ} بالذكر فائدتان: الأولى: أن الذم لهم ألزم لكونهم قادرين على السفر والجهاد، والثانية: أن من لا مال له ولا قدرة على السفر لا يحتاج إلى الاستئذان؛ لأنه معذور.
هؤلاء رضوا لأنفسهم {بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} من النساء، وفي هذا طعن برجولتهم، وتشبيه لهم بالنساء.
وعلة ذلك أن الله ختم على قلوبهم، بسبب نكولهم عن الجهاد والخروج مع الرسول في سبيل الله، فلم تعد قابلة لنور العلم والهداية، حتى كأنها قد ختم عليها، فأصبحوا لا يفقهون أي لا يفهمون ما فيه صلاح لهم فيفعلوه، ولا ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه، ولا يدركون أسرار حكمة الله في الأمر بالجهاد.
ثم قارن الله تعالى وضعهم بوضع المؤمنين، وبين ثناءه عليهم ومآلهم في الآخرة، فقال:{لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا..}. أي بين تعالى حالهم ومآلهم، وهو أن الرسول والمؤمنين معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وأدوا واجبهم، فنالوا الخيرات العظمى في الدنيا كالنصر وهزيمة الكفر، وفي الآخرة بالاستمتاع في جنات الفردوس والدرجات العلى، وأولئك هم الفائزون بالسعادتين: سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، خلافا للمنافقين الذين حرموا منهما.
وقوله:{أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنّاتٍ..}. إما تفسير للخيرات والفلاح، وإما أن الخيرات والفلاح هي منافع الدنيا كالعزة والكرامة والنصر والثروة، والجنات ثواب الآخرة. والفوز العظيم: هو المرتبة الرفيعة والدرجة العالية.