لديهم في دينهم، ولا تقصير منهم في واجباتهم، فهم ليسوا بالماديين كاليهود والمشركين، ولا بالروحانيين كالنصارى، وإنما جمعوا بين الحقّين: حقّ الجسد وحقّ الروح، ولم يهملوا أي جانب منهما، تمشيا مع الفطرة الإنسانية القائمة على أن الإنسان جسد وروح.
ومن غايات هذه الوسطية وثمرتها: أن يكون المسلمون شهداء على الأمم السابقة يوم القيامة، فهم يشهدون أن رسلهم بلغتهم دعوة الله، ففرط الماديون في جنب الله وأخلدوا إلى اللذات، وحرم الروحانيون أنفسهم من التمتع بحلال الطيبات، فوقعوا في الحرام، وخرجوا عن جادة الاعتدال، فجنوا على متطلبات الجسد.
ويؤكد ذلك أن يشهد الرسول على أمته محتجّا بالتبليغ، أي أنه بلّغهم شرع الله المعتدل، وأنه كان إماما مقسطا، وقدوة حسنة، ومثلا أعلى في الوسطية، فلا يحيدون عنها، لأنهم معرّضون لإقامة الحجة عليهم من نبيهم، بما أعلنه من الدين القويم، وبما التزمه من السّيرة الحسنة، فمن حاد عنها شهد عليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه ليس من أمته التي وصفها الله بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}[آل عمران ١١٠/ ٣]، وبذلك خرج من الوسط إلى الانحراف، ويكون حسبان شهادة الرسول بمثابة العاصم عن الانحراف، والتزام الحقّ والعدل.
ويوضح نوعي الشهادة على الأمم وشهادة الرسول باعتبار أن الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له: ما
روي: «أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبينة، على أنهم قد بلّغوا، وهو أعلم، فيؤتى بأمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فيشهدون، فتقول الأمم: من أين عرفتم، فيقولون:
علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيّه الصادق، فيؤتى بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فيسأل عن حال أمته، فيزكيهم ويشهد بعدالتهم، وذلك قوله