أما التوبة فكانت شاملة عامة لكل من شارك في غزوة العسرة أو غزوة تبوك. وذلك تفضل من الله ورحمة، بعد ما تعرضوا للشدائد في جميع أوقات تلك الغزوة، قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظّهر، وعسرة الزاد، وعسرة الماء.
قال الزمخشري في قوله تعالى:{تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ} هو كقوله:
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[غافر ٥٥/ ٤٠] وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي والمهاجرين والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأولين صفة الأنبياء (١).
وشملت هذه التوبة أيضا الثلاثة الذين خلّفوا عن هذه الغزوة، أي أرجئوا وأخّروا عن المنافقين، فلم يقض فيهم بشيء، وذلك أن المنافقين لم تقبل توبتهم، واعتذر أقوام فقبل عذرهم، وأخّر النبي صلى الله عليه وسلّم هؤلاء الثلاثة حتى نزل فيهم القرآن.
وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم والبخاري وغيرهما. قال كعب فيما رواه مسلم:
كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمرنا حتى قضى الله فيه؛ فبذلك قال الله عز وجل:{وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي ذكر الله مما خلّفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه، فقبل منه.
والأوصاف الثلاثة التي وصفهم بها القرآن دليل على صدقهم في التوبة. لذا