وبعد أن بيّن الله تعالى أن المنافقين يموتون كفارا، أوضح أنهم يتعرضون أيضا لعذاب الدنيا كل عام مرة أو مرتين، فقال: أو لا يرى هؤلاء المنافقون أنهم يختبرون كل عام مرة أو مرتين بأنواع الاختبار العديدة من جهاد وقحط ومرض وهي التي تذكّر الإنسان بالله، وتجعله ميالا إلى الإيمان وترك الكفر والتمييز بين الحق والباطل.
ثم إنهم مع توالي الاختبارات لا يتوبون من ذنوبهم السابقة، ولا يتعظون فيما يستقبل من أحوالهم، مما يجعلهم غير مستعدين لقبول الإيمان.
وإذا أنزلت سورة قرآنية على النبي صلى الله عليه وسلّم، وهم جلوس عنده، تلفتوا وتغامزوا بالعيون وتهكموا لفساد قلوبهم، وعزموا على الهروب، قائلين: هل يراكم الرسول صلى الله عليه وسلّم أو المؤمنون إذا خرجتم؟ ثم انصرفوا جميعا عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلّم أي تولوا عن الحق، فهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه، كقوله تعالى:{فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[المدثر ٤٩/ ٧٤ - ٥١] وقوله: {فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ}[المعارج ٣٦/ ٧٠ - ٣٧] أي ما لهؤلاء القوم يخرجون مسرعين، هروبا من الحق، وذهابا إلى الباطل.
صرف الله قلوبهم عن الحق والإيمان وعن الخير والنور. وهذا إما دعاء عليهم به أو إخبار عن أحوالهم.
ذلك الصرف بسبب أنهم قوم لا يفهمون الآيات التي يسمعونها، ولا يريدون فهمها، ولا يتدبرون فيها حتى يفقهوا، بل هم في شغل عن الفهم ونفور منه، كقوله تعالى:{فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف ٥/ ٦١].