أو من أنكر منهم، فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فأنزل الله عز وجل:{أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً}.
هذا التعجب في غير محله، إذ أن كل الرسل كانوا بشرا:{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ}[الأنعام ٩/ ٦] وردد الله هذا المعنى في آيات كثيرة منها: {قُلْ: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً}[الإسراء ٩٥/ ١٧]. فإرسال الرسول من جنس المرسل إليهم أدعى إلى قبول دعوته، والتفاهم معه. وأما اختيار أحد هؤلاء البشر فالله أعلم من هو أولى للرسالة وأحق بالاصطفاء والاختيار:{اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ}[الحج ٧٥/ ٢٢]، {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}[الأنعام ٣١/ ٦].
أما معايير البشر فهي خطأ، مثل كون محمد صلى الله عليه وسلّم يتيم أبي طالب، إذ قال القرشيون: العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا إلا يتيم أبي طالب، أو أنه فقير، وهم يريدون كونه غنيا مترفا وزعيما مرموقا:{لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف ٣١/ ٤٣] وهم يعنون إما الوليد بن المغيرة من مكة، أو مسعود بن عمرو الثقفي من الطائف.
ومهمة هذا النبي الموحي إليه هي الإنذار من النار:{أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ} أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس وخوفهم من عذاب النار يوم البعث، إذا ظلوا كافرين ضالين عاصين، كما قال تعالى:{لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ، فَهُمْ غافِلُونَ}[يس ٦/ ٣٦] وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم قدم صدق عند ربهم، أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة عند الله في جنات النعيم، وأجرا حسنا بما قدموا.
والأعمال الصالحة: هي صلاتهم وصومهم وصدقهم في القول والفعل وتسبيحهم.