وكذلك اقتضت رحمته تعالى بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم بالشر، في حال الضجر والغضب؛ لأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك.
روى أبو داود والحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:«لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة، فيستجيب لكم»
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا:«إني سألت الله عز وجل ألا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه».
ومن عجلة الإنسان أيضا وضجره وقلقه أنه إذا أصابه الضرّ أي الشدة والألم من مرض أو فقر أو خطر: يدعو ربه بإلحاح في كشف ضره وإزالته، حالة كونه مضطجعا لجنبه، أو قاعدا أو قائما وفي جميع أحواله؛ لأن فائدة الترديد في القعود وغيره تعميم الدعاء لجميع الأحوال، فإذا فرّج الله شدته وكشف كربته، أعرض ونأى بجانبه، وذهب كأنه ما كان به من ذلك شيء، ومضى في طريقه من الغفلة عن ربه والكفر به، كأنه لم يدع إلى شيء ولم يكشف الله عنه ضره.
فقوله:{إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ} أي إلى كشف ضر.
وذلك كقوله تعالى:{وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ}[فصلت ٥١/ ٤١]، ثم قال تعالى:{كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي مثل ذلك العمل القبيح المنكر أو التزيين وهو الذي حدث من اللجوء إلى الله تعالى وقت الشدة وتركه في الرخاء، زيّن للمشركين طغاة مكة وغيرهم ما كانوا يعملون من أعمال الشرك والإعراض عن القرآن والعبادات، واتباع الشهوات.
والمراد بالإنسان في قوله:{وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ} هو الكافر؛ لأن العمل المذكور لا يليق بالمسلم البتة.