ومن الذي بقدرته العظيمة أمر الحياة والموت؟ فيحيي ويميت، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، مثل إخراج النخلة من النواة والطائر أو الحيوان من البيضة أو النطفة، وعكس ذلك كإخراج الحب والنوى وبيض الحيوان ومنيّه من الشجر والحيوان، وفي هذا دلالة عامة على إيجاد أمارات الحياة والموت، وعلامة الحياة في النبات: النمو، وفي الحيوان: النمو والحركة الإرادية.
وفسر بعضهم الحياة والموت بالشيء المعنوي وهو إخراج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والأكثرون من المفسرين يفسرون الآية بالمعنى الأول، وهو إلى الحقيقة أقرب، كما قال الرازي.
وإذا كان المفسرون قد مثلوا للحي بالنطفة وللميت بالبيضة، فهم يلاحظون الوضع الظاهر المشاهد للناس عادة وهي حياة الحركة والنمو، وهذا لا ينفي ما يقوله الآن علماء الأحياء بأن في البذور والبيض والمني والنطفة حياة أي حياة الخلية، لكن هذه حياة خاصة لا حركة فيها ولا نمو.
ويمكن التمثيل في العلم الحديث لإخراج الميت من الحي بما يطرحه البدن من الخلايا الميتة في الدم والجلد فيخرج مع البخار والعرق، ومثال إخراج الحي من الميت الغذاء الذي يحرق بالنار، ثم يتناوله الإنسان فيتولد منه الدم.
وإذا قال هؤلاء العلماء الجدد: الحي لا يخرج إلا من حي، فإنهم يقررون أن الحياة الأولى هي من خلق الله بدون أي شك.
وعلى أي حال فإن المقصود من الآية إثبات القدرة الكاملة لله تعالى وأنه خالق الموت والحياة، أيا كان المثال؛ لأن إطلاق النص القرآني وعمومه يمكن تطبيقه على ما يقره العلم.
ومن الذي يدبر أمور العالم وبيده ملكوت كل شيء، وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون؟.