للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما موقف المشركين المكذبين منك يا محمد، فلا تعجب منه، فمنهم من يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلّمت الشرائع، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون، وإنما يسمعون دون تدبر ولا فهم، ويهتمون بسماع نظم القرآن وجرس صوته، فهم لاهون لاعبون غير جادّين: {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء ٢/ ٢١ - ٣] {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ} أي لا تستطيع الإسماع النافع لقوم صموا آذانهم عن سماعك، وضموا إلى ذلك أنهم لا يعقلون ما يسمعون ولا يفهمون معناه، فينتفعوا به، فإن السماع النافع للمستمع: هو ما عقل به ما يسمعه، وعمل بمقتضاه وإلا كان في الواقع كالأصم حقيقة. وهذا حال بعض المسلمين مع الأسف اليوم. وفيه دلالة على أنه لا يقدر على إسماعهم وهدايتهم بالقسر والإلجاء إلا الله عز وجل.

ومنهم من ينظر إليك عند قراءتك القرآن نظرة إعجاب، ولكنه لا يبصر نور الإيمان والقرآن وهداية الدين والخلق القويم. {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ} أي لا تقدر على هداية هؤلاء، لأنهم وإن كانوا مبصرين بأعينهم في الظاهر، فهم غير مبصرين بقلوبهم في الحقيقة، فلا تستطيع هدايتهم لفقدهم نعمة البصيرة المدركة والعقل المدرك: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج ٤٦/ ٢٢].

والخلاصة: إنك يا محمد لا تستطيع هداية هؤلاء، لفقدهم الاستعداد للفهم والهداية، وكأنهم مثل من فقد حاسة السمع في الحقيقة، وفقد حاسة البصر أيضا؛ لأن فائدة السمع والبصر هي الانتفاع، فإذا لم ينتفعوا فكأنهم عطلوا حواسهم:

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق ٣٧/ ٥٠] والمراد بذلك تسلية النبي صلى الله عليه وسلّم.

{إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً.}. أي إن الله تعالى لا يجور أبدا، بسلب

<<  <  ج: ص:  >  >>