للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الآية: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين كفار مكة: أخبروني عما أنزل الله من رزق حلال لكم للانتفاع به، فجز أتموه أو بعضتموه، وقلتم: هذا حلال وهذا حرام بزعمكم، أخبروني: آلله أذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بإذنه، أم تكذبون على الله، في نسبة ذلك إليه.

والآية توبيخ على التبعيض، وزجر بليغ على التهاون في الفتوى، وباعثة على وجوب الاحتياط‍ فيما يسأل عنه العالم من الأحكام، وألا يقول أحد في شيء:

جائز أو غير جائز، إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت.

وإلا فهو مفتر على الله (١)، كما قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ، لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [النحل ١١٦/ ١٦].

{وَما ظَنُّ الَّذِينَ..}. المعنى: أي شيء ظن المفترين في ذلك اليوم ما يصنع بهم فيه؟ وهو يوم الجزاء، والإحسان والإساءة، أيظنون أنهم يتركون بغير عقاب على جريمة افتراء الكذب على الله أو أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به؟ وهو وعيد عظيم حيث أبهم أمره، أم أن لهم شفعاء يشفعون لهم؟ كما قال تعالى:

{أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى ٢١/ ٤٢].

{إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ} حيث أنعم عليهم بالعقل، ورحمهم بالوحي، وتعليم الحلال والحرام، وتشريع الدين، وفضّل عليهم بالرزق وجعل الأصل فيما رزقهم من المنافع الإباحة، ولكنه جعل حق التحليل والتحريم إليه وحده، كيلا يعبث به، كما عبث به الأخبار والرهبان، ولم يحرّم عليهم إلا ما فيه ضرر بهم في دنياهم أو دينهم.

{وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} هذه النعمة وذلك الفضل كما قال تعالى:

{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ ١٣/ ٣٤] ولا يتبعون ما هدوا إليه، بل


(١) الكشاف: ٧٨/ ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>