قدرة على شيء من تدبير أمور العباد ودفع الضر عنهم، بل إنهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، ولا يملكون جلب أي نفع لهم.
{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ.}. أي ما يتبع المشركون في الحقيقة فيما يزعمون إلا الظن الفاسد والخطأ الفادح، وما هم في هذا الظن إلا متخرصون كاذبون فيما ينسبون إلى الله، أو حازرون مقدّرون أن تكون شركاء تقديرا باطلا.
فهذه الجمل الثلاث بعد بيان استقلال الله بملكية ما في السموات وما في الأرض مؤكدات متوالية، تؤكد سلب صلاحية الملائكة والأصنام والمسيح وغيرهم عن اتخاذها آلهة، ولا اتخاذها وسطاء أو شفعاء أو وسائل لله، كما هو شأن حكام الدنيا والملوك الظالمين الذين لا يصل إليهم إلا الوسطاء، فجميع من في السموات والأرض مملوك لله تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً}[مريم ٩٣/ ١٩] والمملوك لا شأن له أمام المالك.
ثم استدل تعالى على كون العزة لله جميعا وانعدام أي دور للشركاء مع الله في الخلق والتقدير والتصرف والتدبير بقوله:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ.}. أي إنه تعالى قسم الزمان قسمين وهما الليل والنهار، وجعل الليل للاستراحة والسكن والاطمئنان فيه بعد عناء النهار والاشتغال فيه، وجعل النهار مضيئا للمعاش والسعي والأسفار وقضاء المصالح، كقوله تعالى:{وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً}[النبأ ٩/ ٧٨ - ١١] وقوله سبحانه:
ففي هذا تنبيه على كمال قدرته تعالى، وعظيم نعمته المتوحد هو بهما، ليدلّهم على تفرده باستحقاق العبادة، وأن يوحدوه بها، بأنه أظلم الليل للسكن فيه من متاعب المعاش في النهار، وأضاء النهار لإبصار مطالب الأرزاق