للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا يتبين الفرق الجلي بين موقف المؤمن الراسخ الإيمان الذي لا يعرف التردد، المعتصم بالله وبوعده وثقته به، وبين موقف الكافر الضعيف المتردد الذي لا ملاذ له، إلا بالقوة الوهمية الخاثرة بل المنعدمة للشركاء والآلهة المزعومة.

فإن توليتم أي أعرضتم عن تذكيري وكذبتم ولم تؤمنوا برسالتي ولم تطيعوني فيما أدعوكم إليه من الدين الحق، فإني لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا: أجرا أو جزاء، إن ثواب عملي وجزائي على الله ربي الذي أرسلني إليكم، وأمرني أن أكون من المسلمين، أي المنقادين الممتثلين لما أمرت به من الاستسلام لكل ما يصل إلى من أجل هذه الدعوة، والإسلام والخضوع لله عز وجل، والإسلام هو دين الأنبياء جميعا من أولهم إلى آخرهم (١)، وإن تنوعت شرائعهم التفصيلية كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة ٤٨/ ٥] فأصولهم واحدة، ومصدرهم واحد،

قال النبي صلى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد:


(١) فهذا نوح يقول: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وقال تعالى عن إبراهيم الخليل: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، يا بَنِيَّ، إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ، فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة ١٣١/ ٢ - ١٣٢]. وقال يوسف: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ، وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً، وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ [يوسف ١٠١/ ١٢]. وقال موسى: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ، فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا، إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس ٨٤/ ١٠] وقال السحرة: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً، وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [الأعراف ١٢٦/ ٧] وقالت بلقيس: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ، لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [النمل ٤٤/ ٢٧]. وقال تعالى واصفا رسالة الأنبياء: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة ٤٤/ ٥] وقال تعالى عن الحوار بين: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي، قالُوا: آمَنّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ [المائدة ١١١/ ٥] وقال الرسول وسيد البشر صلى الله عليه وسلّم امتثالا لقول الله: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام ١٦٣/ ٦] أي من هذه الأمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>