وخصّ الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس، لأن الإنسان قد ينسى نفسه، ولا ينسى ابنه. روي أن عمر قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا صلّى الله عليه وسلّم كما تعرف ابنك؟ فقال: نعم وأكثر، بعث الله أمينه في سمائه، إلى أمينه في أرضه، فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمّه.
وأهل الكتاب يكتمون الحق يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ويعلمون نبوته، وهذا ظاهر في صحة الكفر عنادا، مثل قوله تعالى:{وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ}[النمل ١٤/ ٢٧]، وقوله:{فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}[البقرة ٨٩/ ٢].
والحق: وهو استقبال الكعبة وغيره، من الله، لا ما أخبر به اليهود من قبلتهم، ولا ما أخبر به النصارى، فالقول الفصل هو للوحي الإلهي، لا لأهواء الجاحدين.
والمراد بالخطاب في قوله:{فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} في المعنى هو الأمة. والنهي عن كونه منهم أبلغ من النهي عن نفس الفعل، فقولك: لا تكن ظالما أبلغ من قولك: لا تظلم.
والخلاصة: أن جحدهم تحويل القبلة عناد ومكابرة، لأنهم يعلمون علم اليقين نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومتى ثبتت نبوته كان كل ما يفعله إنما هو عن وحي من ربه.