ويقولون: لو كان هؤلاء على حقّ لما هزموا أمام فرعون وظلمه، أو موضع فتنة لهم أي عذاب بأن يفتنونا عن ديننا {وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} أي خلّصنا برحمتك وإحسانك وعفوك من تسلّط الكافرين بك، الظالمين الطّغاة، الذين كفروا الحقّ وستروه، ونحن قد آمنّا بك وتوكّلنا عليك.
وقد دعوا بهذا الدّعاء؛ لأن التّوكل على الله هو أعظم علامات الإيمان لا يكمل إلا بالصّبر على الشّدائد، والدّعاء لا يستجاب إلا مع الطاعة واتّخاذ الأسباب، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق ٣/ ٦٥]، وكثيرا ما يقرن الله بين العبادة والتّوكل كقوله:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود ١٢٣/ ١١]، وقوله تعالى:{قُلْ: هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا}[الملك ٢٩/ ٦٧]، وقوله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}[المزمل ٩/ ٧٣]. وأمر الله تعالى المؤمنين أن يكرروا في صلواتهم:
ثم ذكر الله تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه، وكيفية خلاصهم منهم، فقال:{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ.}. أي أمرنا موسى وأخاه هارون عليهما السّلام أن يتبوأ أي يتّخذا لقومهما بمصر بيوتا تكون مساكن للاعتصام فيها، والأصح أن تكون مساجد وليست منازل مسكونة في رأي أكثر المفسّرين.
وأمرهما مع قومهما أن يجعلوا البيوت مساجد متّجهة نحو القبلة، بأن يصلّوا في بيوتهم؛ لأنهم كانوا خائفين. وقال قتادة والضّحّاك وسعيد بن جبير:
{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي يقابل بعضها بعضا. قال القرطبي: والقول الأول أصح؛ أي اجعلوا مساجدكم إلى القبلة باتّجاه بيت المقدس، وهو قبلة اليهود إلى اليوم.