للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزاء، مهما بعدت المسافات. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً، وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ، إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} [المائدة ٤٨/ ٥].

والاتجاه إلى الكعبة أو المسجد الحرام شريعة عامة في كل زمان ومكان، ففي أي بقعة كنت، فاتجه جهة المسجد الحرام، وقد أعاد الله الأمر بالتوجه إلى الكعبة ثلاث مرات في هذه الآية، بعد الأمر به مرتين في الآية (١٤٤) ليبين أن الحكم عام في كل زمان ومكان، وذكر القرآن مع كل أمر ما يناسبه:

فمع الأمر الأول في الآية (١٤٤) أثبت فيها ذاتها أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه الحق.

ومع الأمر الثاني في الآية (١٤٩) أوضح أنه الحق الثابت من عند الله، الذي لا يعرض له نسخ ولا تبديل، وأن تولي النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إياه هو الموافق للحكمة والمصلحة، وأن الله ليس بغافل عن أعمال الناس، وإخلاصهم في متابعة النّبي صلّى الله عليه وسلّم في كل ما يجيء به من أمر الدين، وسيجازيهم خير الجزاء. وفي هذا وعد للمؤمنين الطائعين بنيل المكافأة على أفعالهم، ووعيد للعصاة بمجازاتهم على أعمالهم.

ومع الأمر الثالث في الآية (١٥٠) ذكر الله الحكمة في تحويل القبلة وهي منافع ثلاث:

١ - {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ} -أهل الكتاب والمشركين-حجة على المسلمين، فأهل الكتاب كانوا يعرفون أن النّبي الذي يبعث من ولد إسماعيل يكون على قبلته وهي الكعبة، فبقاؤه في اتجاه الصلاة إلى بيت المقدس دائما طعن في نبوته. ويعلمون أيضا من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا تلك الصفة، ربما احتجوا بها على المسلمين. والمشركون كانوا يرون أن نبيا من ولد إبراهيم عليه السّلام، جاء لإحياء ملة أبيه، فلا ينبغي له أن يستقبل غير

<<  <  ج: ص:  >  >>