{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ.}. أي وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقيم وجهي للدين القيم، أي بالاستقامة في أمر الدين بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، وبأن أخلص العبادة لله وحده، حنيفا أي مائلا عن الشرك والباطل إلى الدين الحق، ولهذا قال:{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي ممن يشرك في عبادة الله إلها آخر، وهو معطوف على قوله:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي قيل لي: كن من المؤمنين وأقم وجهك ولا تشرك.
فقوله {أَقِمْ وَجْهَكَ} معناه استقم إليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا. ونظير الآية قوله تعالى:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام ٧٩/ ٦].
وهذا يدل على وجوب التوجه في العبادة والدعاء إلى الله وحده، دون التفات إلى شيء سواه، فمن توجه بقلبه إلى غير الله في عبادة أو دعاء فهو عابد غير الله.
لذا قال تعالى:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ..}. أي لا تدع ولا تعبد أيها الرسول متجاوزا الله تعالى ما لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة إن دعوته، ولا يضرك أصلا إن تركت دعاءه.
فإن فعلت هذا وعبدت ودعوت غير الله، كنت حينئذ من الظالمين نفسك؛ لأنه لا ظلم أكبر من الشرك بالله تعالى، ومن الظلم وضع العبادة في غير موضعها.
ثم أكد الله تعالى سلب صلاحية النفع والضر عن غير الله، فقال:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ..}. أي وإن تتعرض لضرر يمسّ جسمك أو مالك من مرض أو فقر أو ألم، فلا كاشف أو لا رافع له إلا الله، وإن يردك أو يخصك الله بخير منه في دينك أو دنياك من نصر ورخاء ونعمة وعافية، فلا دافع لفضله إلا الله؛ إذ