فيه ولا نقص، فهو كامل الصورة والمعنى؛ لأنه صادر من عند الله الحكيم في أقواله وأحكامه، الخبير بحوائج عباده وبعواقب الأمور.
ففي هذه السورة كغيرها من السور تبيان حقائق الاعتقاد وتفنيد أباطيل الكافرين، وتوضيح أسلم الأحكام التشريعية للحياة، وأقوم المناهج والفضائل والمواعظ من خلال القصص القرآني والتنبيه إلى غرر الشمائل والأخلاق.
{أَلاّ تَعْبُدُوا.}. أي أن هذا الكتاب المحكم نزل بألا تعبدوا غير الله ولا تشركوا به شيئا، أو أنه نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له، أو لئلا تعبدوا إلا الله، وهذا كقوله تعالى:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء ٢٥/ ٢١] وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ}[النحل ٣٦/ ١٦].
{إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} أي، وقل للناس: إنني كائن لكم من جهة الله، نذير من العذاب، إن خالفتموه، وبشير بالثواب إن أطعتموه، كما جاء
في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم صعد الصفا، فدعا بطون قريش الأقرب ثم الأقرب، فاجتمعوا، فقال:«يا معشر قريش، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تصبحكم، ألستم مصدّقي؟» فقالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال:«فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد».
وهذا بيان مهمة الرسول صلى الله عليه وسلّم ووظيفته وهي الإنذار لمن عصاه بالنار، والتبشير لمن أطاعه بالجنة.
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ..}. أي: وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة، أي أن تطلبوا المغفرة من الشرك والكفر والمعاصي، وأن تتوبوا منها إلى الله عز وجل بالندم على ما مضى، والعزم على عدم العودة إلى الذنوب في المستقبل،