قوله له:{وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ} أي لا تكن منهم؛ لأنه كان عنده مؤمنا في ظنه؛ إذ محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم؛ وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان، فأخبر الله تعالى نوحا بما تفرد به من علم الغيوب، أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وقال الحسن: كان منافقا؛ ولذلك استحل نوح أن يناديه. وعنه أيضا: كان ابن امرأته، بدليل
قراءة عليّ:
«ونادى نوح ابنها» لكنها قراءة شاذة، فلا نترك المتفق عليها، والصحيح أنه كان ابنه، لكن ليس على منهج أبيه في الدين والإيمان والاستقامة.
٥ - لم يعص نوح الله تعالى فيما سأل من إنجاء ابنه، وإنما كان خطأ في الاجتهاد، بنية حسنة، وعدّ هذا ذنبا؛ لأنه ما كان ينبغي لأمثاله من أهل العلم الصحيح الوقوع في هذا الخطأ غير المقصود، وترك الأفضل والأكمل، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، لذا عاتبه الله تعالى وأمره بالاستغفار.
٦ - إن رابطة الدين أقوى من رابطة النسب، ولا علاقة للصلاح والتقوى بالوارثة والأنساب، لذا نجى الله المؤمنين من قوم نوح، وأهلك ابنه وزوجته مع الكافرين. والصحيح أنه كان ابنه، ولكن كان مخالفا في النية والعمل والدّين، لذا قال تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}.
٧ - هذه الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم، وإن كانوا صالحين. وفيها أيضا دليل على أن الابن من الأهل لغة وشرعا، ومن أهل البيت؛ فمن أوصى لأهله دخل في ذلك ابنه، ومن تضمنه منزله، وهو في عياله. قال تعالى في آية أخرى:{وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات ٧٥/ ٣٧ - ٧٦].
٨ - العدل الإلهي مطلق، لا محاباة فيه لنبي أو ولي، وإنه تعالى يجزي الناس في الدنيا والآخرة بإيمانهم وأعمالهم، لا بأنسابهم:{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَلا يَتَساءَلُونَ}[المؤمنون ١٠١/ ٢٣].