إلى يوم القيامة، كما قال محمد بن كعب: دخل في هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة. وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.
والمعنى: قال الله أو الملائكة لنوح بعد انتهاء الطوفان وحبس المطر وابتلاع الأرض ماءها: اهبط من السفينة إلى الأرض، أو من جبل الجودي إلى الأرض، فقد ابتلعت الماء وجفّت، بسلام منا، أي بسلامة وأمن أو بتحية، أي مسلما محفوظا من جهتنا، أو مسلما عليك مكرّما كما قال تعالى:{سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ}[الصافات ٧٩/ ٣٧]، وبركات عليك، والبركات: نعم ثابتة وخيرات نامية، أي ومباركا عليك في المعايش والأرزاق، تفيض عليك، وعلى أمم ممن معك نسلا وتولدا، أي هم ومن يتناسل منهم من ذرية، ويصير التقدير: وعلى ذرية أمم ممن معك، وذرية أمم سنمتعهم، فيدخل في قوله {مِمَّنْ مَعَكَ} كل مؤمن إلى يوم القيامة، وفي قوله:{وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} كل كافر إلى يوم القيامة، كما روي ذلك عن محمد بن كعب.
والمعنى: إن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين، ينشئون ممن معك. وممن معك أمم ممتعون بالدنيا، منقلبون إلى النار.
وكان نوح عليه السلام أبا الأنبياء، والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة.
وهكذا عم السلام والتبريك كل المؤمنين، على اختلاف تجمعاتهم. لكن من أولئك المؤمنين سيكون من نسلهم أمم وجماعات آخرون من بعدهم، يمتعون في الدنيا بالأرزاق والبركات، ثم يصيبهم العذاب الأليم في الآخرة، لكفرهم وعنادهم، فانقسم الناس بعد نوح قسمين: قسم مؤمنون صالحون ممتعون في الدنيا والآخرة، وقسم ممتعون في الدنيا فقط معذبون في الآخرة.
ثم ذكر الله تعالى العبرة العامة من قصة نوح:{تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ}