ولما يئس شعيب عليه السّلام من استجابتهم لدعوته أعلن موقف الحسم والفصل فيما بينه وبينهم:{وَيا قَوْمِ، اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ.}. أي يا قوم اعملوا على طريقتكم، واعملوا كل ما في وسعكم وطاقتكم على إلحاق الشر بي، فإني أيضا عامل على طريقتي بما آتاني الله من القدرة، أي أنتم باقون على الكفر والضلال، وأنا ثابت على الدعوة والثقة بقدرة الله تعالى، وهذا تهديد شديد.
سوف تعلمون من ينزل به عذاب يخزيه ويذله في الدنيا والآخرة، ومن هو كاذب في قوله مني ومنكم، وانتظروا ما أقول لكم من إيقاع العذاب، إني معكم رقيب منتظر. وهذا تصريح منه بالوعيد، بعد الترك على ما هم عليه.
ثم جاء ما يؤيد صدقه:{وَلَمّا جاءَ أَمْرُنا..}. أي ولما جاء أمرنا بعذابهم، ونفذ قضاؤنا فيهم، نجينا رسولنا شعيبا والمؤمنين معه، برحمة خاصة بهم، وأخذت الظالمين بظلمهم الصيحة: وهي صوت من السماء شديد مهلك مرجف، وفي سورة الأعراف: هي الرجفة، وفي الشعراء: عذاب يوم الظلة، وهم أمة واحدة، اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، فأصبحوا قعودا ميتين لا يتحركون، وقد اختلف التعبير في كل سورة بما يناسب الإساءة، ففي الأعراف هددوا بإخراج شعيب ومن معه من قريتهم، فذكر هناك الرجفة، وهنا أساؤوا الأدب في مقالتهم مع نبيهم فذكر الصيحة التي أخمدتهم، وفي الشعراء طلبوا إسقاط كسف من السماء عليهم، فأخذهم عذاب يوم الظلة.
كأنهم لم يقيموا في بلادهم طويلا في رغد عيش، ولم يعيشوا فيها قبل ذلك، ألا بعدا من رحمة الله، وهلاكا لهم، كما بعدت وهلكت من قبلهم ثمود، وكانوا جيرانهم قريبا منهم في الدار، وشبيها بهم في الكفر وقطع الطريق، وكانوا عربا مثلهم.
فكان عذابهم واحدا وهو الصاعقة ذات الصوت الشديد، التي زلزلت الأرض