وبعد أن أمر الله تعالى بالاستقامة، نهى عن ضدّها وهو الطّغيان، أي البغي وتجاوز حدود الله، فإنه مزلقة إلى الهلاك، فقال تعالى:{وَلا تَطْغَوْا}.
ثمّ حذّر الله تعالى من المخالفة، فقال:{إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي إنه تعالى بصير بأعمال العباد، لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء، فيجازي عليها.
والدّعوة إلى الاستقامة وتجنّب الطّغيان هو هدف القرآن الكريم المتكرر فيه، فقال تعالى:{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ:}
ثم نبّه الله تعالى إلى خطر الميل مع الظالمين، فقال:{وَلا تَرْكَنُوا.}. أي ولا تميلوا إلى الظالمين بمودة أو مداهنة أو رضى بأعمالهم، أو استعانة بهم، أو اعتماد عليهم، فتصيبكم النّار بركونكم إليهم، فالرّكون إلى الظّالمين ظلم، وليس لكم من غير الله أنصار أبدا ينفعونكم، ويمنعون العذاب عنكم، ثم لا ينصركم الله، أي لا تجدون من ينصركم من تلك الواقعة؛ لأنه تعالى لا ينصر الظّالمين:
والآية تدلّ على عاقبة الرّكون، وعلى أن الميل إلى الظّالمين موقع عادة في الظّلم، ومزلقة تستدعي إقرارهم على ما يفعلون، والرّضى بما هم عليه من الظّلم، واستحسان طريقتهم، وتزيينها عندهم وعند غيرهم، ومشاركتهم في أعمالهم الظّالمة. قال البيضاوي: ولعل الآية أبلغ ما يتصوّر في النّهي عن الظّلم والتّهديد عليه.
وإذا كان الرّكون إلى الظّلم موجبا عذاب النّار، فكيف يكون حال الظّالم في نفسه؟!