يد ونعمة، ولا حاجة لله تعالى لعمل العباد. وأثبت السلف صفة الشكر لله، فهي صفة تليق بجلاله وكماله.
ثم عاد القرآن إلى كشف موقف أهل الكتاب (اليهود والنصارى) في عناد النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومعاداتهم إياه، ولا سيما علماء اليهود وأحبارهم، وما تضمنه موقفهم من أنهم يعرفون النّبي صلّى الله عليه وسلّم كما يعرفون أبناءهم، وأنهم يكتمون الحق وهم يعلمون.
إن الذين يكتمون ويخفون ما أنزل الله-إما بعدم ذكر نصوصه للناس حين الحاجة إليه أو السؤال عنه، كالبشارة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وصفاته الموجودة في سفر التثنية، وإما بتحريف الكلم عن مواضعه حين الترجمة، ووضع شيء مكذوب من عندهم مكانه، سواء في التوراة والإنجيل-جزاؤهم الطرد من رحمة الله، وغضب الله عليهم، ولعنهم من الملائكة والناس أجمعين.
وحكمة هذا الجزاء: أن ما أنزل الله من البينات والهدى، كان لخير الناس وهدايتهم إلى الطريق المستقيم، عن طريق إيراد الأدلة الواضحة على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم، وتبيان حقيقة أمره ووجوب اتباعه والإيمان به، فإذا كتموا ما أنزل، وحجبوا الحقائق عن الأعين، أوقعوا الناس في ضرر جسيم، وشر عميم، وعطلوا الكتب السماوية، وفوتوا ما تؤتيه من ثمار وغايات طيبة مرجوة منها.
والآية عامة في كل كاتم ومكتوم، يحتاج الناس إلى معرفته في أمر معاشهم ومعادهم، ومنه كتمان العلم الذي فرض الله بيانه للناس، كما
روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«من سئل عن علم يعلمه، فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار» ولا عبرة بخصوص السبب الذي نزلت فيه الآية. والمراد من قوله تعالى:{ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى}: كل ما أنزله الله على الأنبياء من الكتب والوحي والدلائل التي تهتدي بها العقول في ظلمات الحيرة.
والمراد من قوله:{مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ} إما التوراة