وقيل: كان فرعون موسى الذي عاش أربع مائة سنة هو الذي اشترى يوسف، بدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ}[غافر ٣٤/ ٤٠] قال البيضاوي: والمشهور أن المشتري من أولاد فرعون، والآية من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء.
ثم علل عزيز مصر طلبه من امرأته حسن تعهد يوسف بقوله كما قال الله:
{عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} أي لي رجاء أن ينفعنا في أعمالنا الخاصة واستثمار أموالنا، أو مصالحنا العامة، أو نتبناه ولدا تقر به أعيننا؛ لأنه كان عقيما لا يولد له ولد، وكان حصورا.
والآية تدل على على أن العزيز كان عقيما، وأنه كان صادق الفراسة.
ثم أبان الله تعالى أفضاله الأدبية المعنوية بعد أن قيض له من يعينه ماديا فقال: وكما أنعمنا عليه بالسلامة من الجبّ، وأنقذناه من إخوته، وهيأنا له المنزل والمثوى الطيب الكريم، عطّفنا عليه قلب العزيز، وجعلنا له مكانة عالية في أرض مصر، يملك الأمر والنهي وتدبير أمور المالية وشؤون الدولة والحكم، بسبب حدوث ما حدث له في بيت العزيز، ثم السجن، الذي كان سببا في التعرف على ساقي الملك، ثم الاتصال بالملك نفسه، حتى قال له الملك:{إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ}[يوسف ٥٤/ ١٢] وقال يوسف للملك: {اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف ٥٥/ ١٢].
وتحقيق الكمال يكون بأمرين هما القدرة والعلم، أما تكميله في صفة القدرة فبقوله تعالى:{مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} وأما تكميله في صفة العلم، فبقوله تعالى:{وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} وهو معطوف على مقدر متعلق بمكنا، أي لنملّكه ولنعلمه. وتأويل الأحاديث: تعبير الرؤيا، ومعرفة حقائق الأمور، وكيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات على قدرة الله تعالى وحكمته وجلاله.