فزع منه إلى ألطاف الله وعصمته كعادة الأنبياء والصالحين فيما عزم عليه من الصبر.
{فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ.}. أي فأجاب ربه دعاءه المفهوم من قوله:{وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي.}. الذي فيه معنى طلب الصرف والدعاء باللطف، فصرف عنه كيدهن، وعصمه عصمة عظيمة، وحماه من التورط في المعصية أو الجهل والسفه باتباع أهوائهن، إنه تعالى السميع لدعاء الملتجئين إليه، العليم بصدق إيمانهم وبأحوالهم وما يصلحهم.
وهذا دليل على حراسة ربه له وعنايته به وتربيته تربية مثلي تليق بالأنبياء.
وقد ترفع مع شبابه وجماله وكماله عن مواقعة امرأة عزيز مصر التي كانت أيضا في غاية الجمال والأبهة، وأختار السجن خوفا من الله ورجاء ثوابه،
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:«سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق بالمساجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل تصدّق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يميه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
{ثُمَّ بَدا لَهُمْ.}. ثم ظهر من المصلحة والرأي للعزيز وامرأته والشاهد الذي شهد عليها من أهلها بعد شيوع الخبر، وبعد ما عرفوا براءته، وظهرت الآيات وهي الأدلة على صدقه في عفته ونزاهته، ظهر لهم أن يسجنوه لأجل غير معلوم، إيهاما أنه راودها عن نفسها، وأنهم سجنوه على ذلك، وتنفيذا لرغبة زوجة العزيز التي تبين أنها ذات سلطان على زوجها، وأنه فقد الغيرة عليها، وآثر رضاها بأى ثمن كان.