أمرها، وكيفية تفسيرها، فجمع الكهنة وكبار رجال دولته وأمراءه، فقص عليهم ما رأى، وسألهم عن تأويلها، فلم يعرفوا ذلك، واعتذروا عن تأويلها بأنها {أَضْغاثُ أَحْلامٍ} أي أخلاط أحلام.
والمعنى: وقال ملك مصر: إني رأيت في منامي رؤيا أدهشتني، وهي أن سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس، أكلتهن سبع بقرات عجاف هزيلات، وسبع سنبلات خضر انعقد حبها، غلبتها سبع أخر يابسات آن حصادها، فالتوت عليها.
فقال للملأ من قومه وهم الكهنة والعلماء: عبّروا على هذه الرؤيا، إن كنتم تعلمون تعبير الرؤيا، وبيان معناها الخيالي، وترجمتها إلى الواقع الحقيقي.
فقالوا: هذه أحلام مختلطة من خواطر وخيالات تتراءى للنائم في دماغه، ولا معنى لها، وتنشأ من اضطراب الهضم، وتلبّك المعدة، وتعب النفس أحيانا، ولسنا عالمين بتأويل أمثالها، فلو كانت رؤيا صحيحة، لما كان لنا معرفة بتأويلها وهو تعبيرها.
وحينئذ تذكر الذي نجا من الموت من صاحبي يوسف في السجن، وهو الساقي، وكان الشيطان قد أنساه ما أوصاه به يوسف، من عرض أمره للملك، وكان تذكره بعد مدة من الزمان أي بعد نسيان، فقال للملك والملأ الذين جمعهم حوله: أنا أخبركم بتأويل هذا المنام، فابعثوني (وهو خطاب للملك والجمع، أو للملك وحده على سبيل التعظيم) إلى يوسف الصديق الموجود حاليا في السجن.
فبعثوه فجاء فقال: يا يوسف، أيها الرجل كثير الصدق في أقوالك وأفعالك وتأويل الأحاديث وتعبير الأحلام، أفتنا في منام رآه الملك، لعل الله يجعل لك فرجا ومخرجا بسبب تأويلك رؤياه.
فذكر له يوسف النبي عليه السّلام تعبيره من غير لوم وعتاب على نسيانه