وبالرّغم من هذه الأخبار المعجزة التي فيها عبرة وعظة لم يؤمن أكثر النّاس، كما قال تعالى:{وَما أَكْثَرُ النّاسِ.}. أي وليس أكثر النّاس بمصدّقين بدعوتك ورسالتك، ولو حرصت وتهالكت على إيمانهم، لتصميمهم على الكفر وعنادهم.
والمراد بالآية العموم، كقوله تعالى:{وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}[الرّعد ١/ ١٣]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أراد أهل مكة. ووجه اتصال الآية بما قبلها على قول ابن عباس: أن كفار قريش وجماعة من اليهود طلبوا هذه القصة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سبيل التّعنّت، واعتقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه إذا ذكرها، فربّما آمنوا، فلمّا ذكرها أصرّوا على كفرهم، فنزلت هذه الآية، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}[القصص ٥٦/ ٢٨](١).
ومعنى الحرص: طلب الشّيء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد، وجواب {لَوْ} محذوف؛ لأن جواب {لَوْ} لا يكون مقدّما عليها، فلا يجوز أن يقال: قمت لو قمت.
ثم نفى تعالى أن يكون للمشركين عذر بعدم الإيمان بدعوتك فقال:
{وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ.}. أي ما تسأل منكري نبوّتك يا محمد على هذا النّصح والدّعاء إلى الخير والرّشد من أجر، أي من جعل ولا أجرة، بل تفعله ابتغاء وجه الله ونصحا لخلقه، فما عليهم إلا الاستجابة لدعوتك، لأنك لا تقصد إلا اتّباع أمر ربّك ونصحهم الخالص.
{إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ} أي ما هذا القرآن الذي أرسلك به ربّك إلا تذكير وموعظة لكلّ العالمين من الإنس والجنّ، به يتذكّرون وبه يهتدون، وينجون به في الدّنيا والآخرة. وهذا دلّ على عموم رسالته صلّى الله عليه وسلّم.